لا بد من الإشارة إلى عدة مشاكل تعترضنا ونحن مقبلون على الحديث عن
الكفايات؛ أولها هل الكفايات بيداغوجيا أم مقاربة؟ وثاني المشاكل لماذا الحديث عن
الكفايات بالجمع بدل المفرد؟ وثالث المشاكل هل أحدثت الكفايات قطيعة إبستمولوجية ،
كما يعتقد البعض، مع بيداغوجيا الأهداف؟ ورابع المشاكل هل الحديث عن الكفايات خطاب
خاص بالمدرسة؟.
إن محاولة الإجابة على هذه
الأسئلة تقتضي التفصيل والتدقيق، غير أن المناسبة لا تسمح بذلك، وعليه سنكتفي
برؤوس أقلام توجه قارئ هذا العمل وبقائمة من المراجع في نهايته تدلل بعض الصعوبات
المثارة هنا.
أولا: الكفايات بيداغوجيا أم مقاربة؟
وجب التنبيه إلى أن البيداغوجيا تهم التربية وتعليم الصغار، بينما نجد أن
الكفايات تهم الصغار والكبار معا، وهي بهذا التحديد هي بيداغوجيا وأندراغوجيا في الآن
نفسه؛ فهي خطاب بيداغوجي مدرسي، وهي حطاب التكوين المهني كذلك؛ بمعنى أنها خطاب
المكونين والحرفيين والمهنيين والمدبرين ومهندسي التكوين، أو بلغة أكثر دقة هي
خطاب المدرسة والمقاولة والإدارة؛ فهي بهذا المعنى خطاب التعليم وخطاب التكوين
(التكوين الأساسي والتكوين المستمر): خطاب التعليم والقابلية للتعلم (المتمدرس
والأمي) والقابلية للتشغيل (الأجير والمستخدم والعامل والباحث عن العمل والعاطل
بالشهادة أو الدبلوم وبدونهما و الراغب أو المضطر لتغيير المهنة)?
ثانيا: الكفايات مقاربات
بما أن الكفايات لا تهم المدرس وحده؛ إذ نجد أنها تهم المدبر في المدرسة
والمراقب التربوي والمشغل ومراكز التكوين وجميع التكوينات (التكوين الأساسي
والمستمر والتكوين عن بعد والتكوين التناوبي...إلخ) فإنها تهم تخصصات كثيرة مثل
علم تنظيم الشغل وسوسيولوجيا التنظيمات وعلم النفس الشغل وعلوم التدبير واللسانيات...إلخ؛
فهذه المكانة التي تتمتع بها تجعل منها مقاربات أكثر منها مقاربة، أندرغوجيا أكثر
منها بيداغوجيا.
ثالثا: لماذا الكفايات مقاربات؟
الكفايات مقاربات لأنها:
هي الطريقة التي يتناول بها الشخص أو الدارس أو الباحث الموضوع أو
الطريقة التي يتقدم بها في الشئ.
المقاربة أساس نظري يتكون من مجموعة من المبادئ يتأسس عليها برنامج
دراسي.
تحيل المقاربة بالكفايات في الوقت الراهن على التخطيط التربوي والطلب على
التربية من أجل كذا أو كذا... وعلى الاقتصاد التربوي. وهنا نستحضر الحاجة
والوظائفية بالانطلاق من حاجات المقاولة أو الاقتصاد أو الفئات العمرية أو
التنافسية أو الحاجات الوطنية والإنتاجية.وما يلاحظ أن كل مقاربة تطرح مشاكل نظرية
وعملية منها مشكل مشروعيتها كمقاربة.
خلاصات أولى:
للكفاية مقاربات كثيرة منها المقاربة بالمعرفة والمقاربة بالمهارة
والمقاربة بالسلوكات وحسن التواجد والمقاربة بالمعارف والمهارة وحسن التواجد
والمقاربة بكفايات المعرفي.
تدقق المقاربة بالكفايات في مكانة المعارف في الفعل. فالمعارف هي موارد
لتحديد وحل المشاكل، ويعني ذلك أنه على المعارف أن تكون متوفرة في اللحظة المناسبة
وأن تكون متكيفة مع الوضعية.
تهيئ المقاربة بالكفايات الطلبة للتهيئ الجيد للحياة المهنية واكتساب
المعارف الضرورية في مجال عملهم؛ وذلك عن طريق تنمية قدرة استعمال تلك المعارف في
سياق واقعي وعملي -مهني. ويستوجب التكوين على الكفايات تداخل التخصصات والمكتسبات
في وضعيات معقدة ومهنية.
إن الإقرار بمقاربة للكفايات يعني إرادة ممارسة
مراقبة مطلقة على مجموع مكونات الكفاية. والكفاية تعني المعرفة بالفعل. كما تدقق
المقاربة بالكفايات في مكانة المعارف العالمة من غيرها. كما يتطلب التكوين
بالكفاية ثورة ثقافية صغيرة للمرور من منطق التعليم إلى منطق التدريب. فالكفاية
تبنى بالممارسة في وضعيات معقدة. وهي تتطلب مسهلا لتعلمها بعقلية بنائية تسمح لكل
طفل باستعمال أو بالتعبير في وقت معين على ما يعرفه من ذي قبل.
رابعا: تياران في الكفايات
استنادا إلى كثير من الباحثين في علوم التربية مثل جون ماري دوكتيل و
فليب بيرنو نجد أن التصور البيداغوجي للكفاية جاء بعد مقاربات كثيرة في مجالات
وتخصصات معرفية غير التربية والتعليم؛ وذلك ما جعل تصورات تربوية كثيرة تتأثر
بمفاهيم وتصورات تنتمي لتلك التخصصات( أنظر الحسن اللحية، نهاية المدرسة2005). ومن
جانب ثان يرى فليب جونير أن تصورات علوم التربية للكفاية تتوزع إلى تيارين أحدهما
أنجلوساكسوني والآخر فرانكفوني.
يستخلص المتتبع لتصورات تطور مفهوم الكفاية في علوم التربية ما يلي:
أولا: تقدم الكفاية في علوم التربية بعيدا عن الإنجاز
حصرا على عكس المقاربات غير التربوية لوجود لحظات لا تستطيع الذات أن تنجز ما
عليها إنجازه أو أنها لا تستطيع تحقيق كفايتها. فأمهر الأطباء يرتكب الأخطاء في
التشخيص وأمهر اللاعبين يضيعون ضربات الجزاء... إلخ.
ثانيا: لا يمكن تعريف
الكفاية إلا من خلال الفعل وفي إطاره ووسطه؛ أي في وضعية لتمييزها عن التعريف
القبلي والتصورات الافتراضية. وبمعنى آخر فالكفاية هي كفاية فعلية compétence
effective تلاحظ فعليا في وضعية.
ثالثا: إن التأكيد على الوضعية جعل علماء التربية يتخلون
عن الإنجاز.
خامسا: لماذا اللجوء إلى الكفايات في التربية والتعليم؟
تم اللجوء إلى الكفايات في التعليم للاعتبارات التالية:
أولا:الحد من التلقين (الحفظ، الذاكرة، النزعة الامتحانية، معلومات غير
نافعة إلا في الامتحانات، رد القول، العلاقات العمودية، الشيخ و المريد...)،
والغاية هي تجديد وظائف المعرفة المدرسية ووظائف المدرس...إلخ.
تتطلب تنمية الكفايات حسب فليب بيرنو مايلي:
1.
تجاوز الرؤية التي تحصر المعرفة المدرسية في اجتياز الامتحان إلى رؤية تحويلية
للمعارف والمكتسبات في وضعيات معقدة؛ ولذلك يرى بأنه عند صياغة البرامج ينبغي
الأخذ بعين الاعتبار متطلبات الحياة الاجتماعية؛ وبمعنى آخر ينبغي اعتبار التعليم
الابتدائي مرحلة لإعداد التلاميذ للحياة بشكل عام: الحياة الخاصة والحياة العامة
والحياة الجمعوية والنقابية والسياسية...إلخ، وكذلك حياة الطفولة والمراهقة.
2.
تعمل المدرسة على تنمية الكفايات لتفادي فشل التلاميذ حينما يظلون مرتبطين
بالمعارف والمضامين منفصلة عن التطبيق؛ أي نقلها إلى وضعيات بعيدة عن المدرسة.
3.
لتنمية الكفايات لا بد من تقليص الغلاف الزمني الخاص بالدراسة أسبوعيا والتخفيف من
المقررات الدراسية لإفساح المجال للتطبيق والتدرب في وضعيات معقدة تستحضر الحياة
اليومية.
4.
اعتبار المعارف موارد والعمل بالمشاكل والإبداعية في التدريس.
5.
لبناء الكفايات ينبغي توجيه التكوين نحو البناء وإزالة الصورة النمطية عن المدرس
(محتكر الكلام والمعرفة) وعن الدرس درس المتبوع بالتمارين.
6.
من أجل بناء الكفايات وجب الانتقال من منطق التعليم إلى منطق التعلم.
ثانيا: نقد بيداغوجيا الأهداف ( الميكانيكية، رد الفعل، تجزيء المقررات
الدراسية، كثرة الأهداف...إلخ).
مقارنة بين برنامجين (التمركز على الأهداف والتمركز على تنمية الكفايات):
رنامج متمركز على الأهداف
|
برنامج متمركز على تنمية الكفايات
|
-
استهداف معارف ومهارات عامة
-
محتويات مفصلة ومجزأة مصاغة كأهداف بيداغوجية
-
يحدد هدف خاص بكل محتوى ويصاغ على شكل سلوك منتظر من التلميذ
-
يرتبط الهدف بمحتوى تخصص خارج الفرد
-
يتم إكساب المعارف والمهارات بشكل مقطعي
_
إعطاء الأولوية للمهارات أكثر من الجانب العاطفي- الوجداني
-
يحدد الهدف قبليا ويظل ثابتا
-
تظل الملاحظة المعيار الوحيد للحكم على بلوغ الهدف
|
-
لا تعير الكفايات الاهتمام للمحتويات الخارجية عن الفرد ولكنها تهتم بإدماجه
للمعارف (النظرية والعملية) حتى يتمكن من تكييفها لاحقا في حياته كراشد
-
استدماج المقاربات المعرفية
-
اللجوء إلى الوضعيات والعمل بالمشاكل
-
غياب ما يدل على الكفاية ليس أمرا حاسما في الحكم وإنما يعنى تغيير سياق التعلم
-
اللجوء للعرضانية في المعارف لتفادي انغلاق التخصصات
-
يستند تقويم الكفاية على حشد المعارف في وضعيات معقدة متنوعة
-
استهداف ما يقدر التلميذ على القيام به
-
تجاوز الرؤية الفيزيولوجية المرتبطة بالسلوك التي تختصر السلوك في رد الفعل
|
ثالثا: التدريس بالوضعيات ( بناء كفايات، تجاوز عوائق ذاتية وتعليمية،
ربط المعارف بالمحيط، إشراك التلاميذ في بناء معارفهم، تدبير وتخطيط التعلمات،
استحضار تقنيات التنشيط ومجمل البيداغوجيات ودينامية الجماعات، إضفاء معنى على
التعلمات، سياقية المعرفة المدرسية...إلخ).
خلاصة:
للتدريس بالكفايات وجب استحضار ما يلي:
1
٠ المدرسة وسط لتعلم الحياة الاجتماعية
2
٠ إعادة إستثمار أو تحويل (النقل) المعارف المدرسية.
3
٠ التركيز على التكيف في محيط متبدل ومتغير يفترض تطوير أدوات فكرية مرنة مناسبة
والتحولات الجارية.
4
٠ تجاوز بيداغوجيا الأهداف التي تقوم على كثير من الاشتقاقات منها كثرة الأهداف أو
تكاثرها و تجزيئ المعارف وإضفاء الصبغة الذرية على الكفايات والتركيز على الأهداف
القصيرة المدى، والتركيز كذلك على المهارات الثانوية التي تضر بالكفايات الأكثر
تعقيدا.
5
٠ الرؤية البراجماتية للمعرفة لأن المعارف المكتسبة في المدرسة وجب أن تكون قابلة
للاستعمال والتحويل أو النقل.
6
٠ ربط المدرسة بالمعيش اليومي (وضعيات الحياة اليومية).
7
٠ نجاعة التعليم والملاءمة الواسعة للتعلمات المدرسية مع وضعيات العمل وخارج
العمل: إشكالية تحويل المعارف أو بناء الكفايات.
8
٠ تعبئة المعارف (من قبل التلاميذ) خارج وضعيات الامتحان.
رابعا: تغيير أدوار المدرس والتلميذ.
ليس للتدريس بالكفايات دواع تهم المعارف المدرسية وحدها، كما سبق القول
أعلاه، بل هناك دواع أخرى تهم تغيير وظائف المدرس والتلميذ كما هو الحال على سبيل
المثال في الجدول التالي:
الوظائف
الجديدة للتلاميذ أو الطلبة
|
وظائف المدرس
|
- لديهم مهمات
معقدة يجب أن ينجزوها بهدف محدد جيدا.
- ينبغي أن
يتخذوا قرارات حول الطريقة التي سيباشرون بها العمل.
- لا يقومون
بالشئ نفسه خلال اشتغالهم.
- تتوفر لهم
موارد كثيرة.
- يعالجون
معلومات كثيرة ليست بالضرورة صالحة لهم.
- يتفاعلون
فيما بينهم ومع الخارج (خبراء، أعضاء في مجموعات...).
- ينخرطون في
سيرورة اكتشاف وبناء المعارف.
- يفكرون فيما
يقومون به وفي مواردهم المستعملة.
- يتواصلون
ويتقاسمون المهارات والخبرات.
-يشاركون في
تقويمهم.
-اتصافهم
بالفضول والمبادرة والبحث عن المعلومات
- عليهم أن
يصبحوا شركاء المدرس في بناء المعارف
- عليهم أن
يتصفوا بالإبداعية في الحل والاقتراح والبحث
- عليهم ركوب
المجازفات
- يدبرون
الأنشطة حسب لوحة التسجيل والمراقبة
- إنجاز العمل
فرديا مع احترام التعليمات والمقترحات وقواعد الحياة الفردية والجماعية
- التصحيح
والتقويم الذاتي
|
-يأخذ بعين
الاعتبار مكتسبات التلاميذ ويساعدهم على تذكرها.
- يقترح على
الطلبة أو التلاميذ وضعيات تعلمية معقدة تكون في متناولهم لها معنى بالنسبة
إليهم.
- يقترح عليهم
موارد متنوعة.
- يدعم الطلبة
أو التلاميذ طيلة مدة تنفيذ المهمات المطلوبة.
- يشجع على
المضي بعيدا في الاكتشاف.
- يوفر جو
التفاعل بين الطلبة أو التلاميذ.
- يتنبأ
بلحظات بنينة المعارف والمهارات والقدرات المكتسبة.
- يثير التأمل
حول طريقة التعلم وسياقات إعادة استعمال المعارف والمهارات والمكتسبات في سياقات
أخرى.
- يقدم للطلبة
أو التلاميذ الفرص لإعادة استعمال الكفايات المكتسبة في سياقات أخرى.
- يتدخل بشكل
فارقي ليدعم تعلم الطلبة أو التلاميذ، ويقترح عليهم المهام اللائقة والملائمة لكل
واحد منهم حتى يتفادون العمل الموحد في وقت واحد ومتزامن.
- يعمل على
إشراك الطلبة أو التلاميذ في تقويمهم الذاتي.
- سيصير
المدرس مسهلا ومخططا ومنظما للأنشطة ومحفزا ومبدعا...إلخ.
- العمل على
المشاكل والمشاريع
- اقتراح مهام
معقدة
- يقترح
بيداغوجيا نشيطة منفتحة على البادية والمدينة
- يمتلك رؤية
بنائية تفاعلية للتعلم
- ينظم
الوضعيات
- يورط
التلاميذ في التعلم
- له القدرة
على الملاحظة والتنظيم والابتكار
- يدبر القسم
كوحدة تربوية
- يتعاون مع
زملائه والآباء والشركاء
- عدم احتكاره
للكلمة
- يضع
التلاميذ أمام سلسلة من القرارات
- يناقش ما
يطرحه على التلاميذ
- يحضر
الأوراش
- يدبر الوقت
- يقود
التلاميذ
- يتدخل لصالح
التلاميذ الذين يصادفون بعض المشاكل
- تشجيع
التلاميذ على التقدم المستقل في عملهم
- يسجل ويراقب
التلاميذ بواسطة لوحة خاصة بذلك
- يشرف على
المسار الفردي الخاص بكل تلميذ
- يضع جداول
التصحيح الذاتي أمام التلاميذ....إلخ
|
الأستاذ
الحسن اللحية
0تعليق "بيداغوجيا الكفايات مناقشة"